تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ " صِحَّةِ أُصُولِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَمَنْزِلَةِ مَالِكٍ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مَذْهَبُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ وَالدِّيَانَةِ ; وَضَبْطِهِ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الثِّقَةِ وَالْخِبْرَةِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْصَارِ ؟
1234567891011121314151617181920212223242526272829303132333435
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَى فِي التُّهَمِ كَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ يُرَاعُونَ فِيهَا حَالَ الْمُتَّهَمِ : هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ أَمْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ ؟ وَيَرَوْنَ عُقُوبَةَ مَنْ ظَهَرَتْ التُّهْمَةُ فِي حَقِّهِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ صَنَّفَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد ذَكَرُوا فِي عُقُوبَةِ مِثْلَ هَذَا هَلْ يُعَاقِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي أَمْ يُعَاقِبُهُ الْوَالِي ؟ قَوْلَانِ . وَكَمَا يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ سَوَاءٌ كَانَ وَالِيًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَدْ غَلِطَ وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَايَةِ لِكَوْنِ هَذَا وَلِيٍّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ دُونَ هَذَا فَهَذَا مُتَوَجِّهٌ . وَهَذَا كَمَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ خِطَابِ بَعْضِ أَتْبَاعِ الْكُوفِيِّينَ وَفِي تَصَانِيفِهِمْ إذَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ مُحْتَجٌّ بِمَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ ; كَقَتْلِهِ الْيَهُودِيَّ الَّذِي رَضَّ رَأْسَ الْجَارِيَةِ وَكَإِهْدَارِهِ لِدَمِ السَّابَّةِ الَّتِي سَبَّتْهُ وَكَانَتْ مُعَاهَدَةً وَكَأَمْرِهِ بِقَتْلِ اللُّوطِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ . قَالُوا : هَذَا يَعْمَلُهُ سِيَاسَةً فَيُقَالُ . لَهُمْ : هَذِهِ السِّيَاسَةُ : إنْ قُلْتُمْ هِيَ مَشْرُوعَةٌ لَنَا فَهِيَ حَقٌّ ; وَهِيَ سِيَاسَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِنْ قُلْتُمْ : لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً لَنَا فَهَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ . ثُمَّ قَوْلُ الْقَائِلِ بَعْدَ هَذَا سِيَاسَةٌ : إمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ النَّاسَ يُسَاسُونَ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ أَمْ هَذِهِ السِّيَاسَةُ مِنْ غَيْرِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ . فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ فَذَلِكَ مِنْ الدِّينِ وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي فَهُوَ الْخَطَأُ . وَلَكِنَّ مَنْشَأَ هَذَا الْخَطَأِ أَنَّ مَذْهَبَ الْكُوفِيِّينَ فِيهِ تَقْصِيرٌ عَنْ مَعْرِفَةِ سِيَاسَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيَاسَةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا مَاتَ نَبِيٌّ قَامَ نَبِيٌّ . وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ يَكْثُرُونَ ; قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : أَوْفُوا بَيْعَةَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلَ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ ; فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ } فَلَمَّا صَارَتْ الْخِلَافَةُ فِي وَلَدِ الْعَبَّاسِ وَاحْتَاجُوا إلَى سِيَاسَةِ النَّاسِ وَتَقَلَّدَ لَهُمْ الْقَضَاءَ مَنْ تَقَلَّدَهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ وَلَمْ يَكُنْ مَا مَعَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ كَافِيًا فِي السِّيَاسَةِ الْعَادِلَةِ : احْتَاجُوا حِينَئِذٍ إلَى وَضْعِ وِلَايَةِ الْمَظَالِمِ وَجَعَلُوا وِلَايَةَ حَرْبٍ غَيْرَ وِلَايَةِ شَرْعٍ وَتَعَاظَمَ الْأَمْرُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى صَارَ يُقَالُ : الشَّرْعُ وَالسِّيَاسَةُ وَهَذَا يَدْعُو خَصْمَهُ إلَى الشَّرْعِ وَهَذَا يَدْعُو إلَى السِّيَاسَةِ سَوَّغَ حَاكِمًا أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّرْعِ وَالْآخَرُ بِالسِّيَاسَةِ . وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ انْتَسَبُوا إلَى الشَّرْعِ قَصَّرُوا فِي مَعْرِفَةِ السُّنَّةِ فَصَارَتْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ إذَا حَكَمُوا ضَيَّعُوا الْحُقُوقَ وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ حَتَّى تُسْفَكَ الدِّمَاءُ وَتُؤْخَذَ الْأَمْوَالُ وَتُسْتَبَاحَ الْمُحَرَّمَاتُ ؟ وَاَلَّذِينَ انْتَسَبُوا إلَى السِّيَاسَةِ صَارُوا يَسُوسُونَ بِنَوْعِ مِنْ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَيْرُهُمْ الَّذِي يَحْكُمُ بِلَا هَوًى وَتَحَرَّى الْعَدْلَ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَحْكُمُونَ بِالْهَوَى وَيُحَابُونَ الْقَوِيَّ وَمَنْ يَرْشُوهُمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْأَمْصَارُ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ جَعْلِ صَاحِبِ الْحَرْبِ مُتَّبِعًا لِصَاحِبِ الْكِتَابِ مَا لَا يَكُونُ فِي الْأَمْصَارِ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ حَيْثُ يَكُونُ فِي هَذِهِ وَالِي الْحَرْبِ غَيْرَ مُتَّبِعٍ لِصَاحِبِ الْعِلْمِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ } الْآيَةَ فَقِوَامُ الدِّينِ بِكِتَابِ يَهْدِي وَسَيْفٍ يَنْصُرُ { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } . وَدِينُ الْإِسْلَامِ : أَنْ يَكُونَ السَّيْفُ تَابِعًا لِلْكِتَابِ . فَإِذَا ظَهَرَ الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَانَ السَّيْفُ تَابِعًا لِذَلِكَ كَانَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ قَائِمًا وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَوْلَى الْأَمْصَارِ بِمِثْلِ ذَلِكَ . أَمَّا عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَهُمْ فِي ذَلِكَ أَرْجَح مِنْ غَيْرِهِمْ . وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ فِيهِ تَقْصِيرٌ وَكَانَ السَّيْفُ تَارَةً يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَتَارَةً يُخَالِفُهُ : كَانَ دِينُ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ بِحَسَبِ ذَلِكَ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَنْ اهْتَدَى إلَيْهَا وَإِلَى أَمْثَالِهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ أُصُولَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصَحُّ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ بِمَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ الْكُبْرَى . كَانَ الصَّحَابَةُ فِيهَا ثَلَاثَ فِرَقٍ : فِرْقَةٌ قَاتَلَتْ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَفِرْقَةٌ قَاتَلَتْ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَفِرْقَةٌ قَعَدَتْ وَالْفُقَهَاءُ الْيَوْمَ عَلَى قَوْلَيْنِ : مِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْقِتَالَ مِنْ نَاحِيَةِ عَلِيٍّ - مِثْلَ أَكْثَرِ الْمُصَنِّفِينَ - لِقِتَالِ الْبُغَاةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْإِمْسَاكَ . وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ تُوَافِقُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَلِهَذَا كَانَ الْمُصَنِّفُونَ لِعَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَذْكُرُونَ فِيهِ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَالْإِمْسَاكَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ . ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَرَوْنَ قِتَالَ مَنْ خَرَجَ عَنْ الشَّرِيعَةِ كالحرورية وَغَيْرِهِمْ . وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ . وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثُ فِي الْخَوَارِجِ مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ خَرَّجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهَا . وَقَالَ فِيهِ : { يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَقَدْ ثَبَتَ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِهِمْ وَقَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرَ فِيهِمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِقِتَالِهِمْ وَفَرِحَ بِقَتْلِهِمْ وَسَجَدَ لِلَّهِ شُكْرًا لَمَّا رَأَى أَبَاهُمْ مَقْتُولًا وَهُوَ ذُو الثدية بِخِلَافِ مَا جَرَى يَوْمَ الْجَمَلِ وصفين ; فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَفْرَحْ بِذَلِكَ بَلْ ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ التَّأَلُّمِ وَالنَّدَمِ مَا ظَهَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ سُنَّةً بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ قَاتَلَ بِاجْتِهَادِهِ . فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ اتَّبَعُوا السُّنَّةَ فِي قِتَالِ الْمَارِقِينَ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَتَرَكَ الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ وَعَلَى ذَلِكَ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِخِلَافِ مَنْ سَوَّى بَيْنَ قِتَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بَلْ سَوَّى بَيْنَ قِتَالِ هَؤُلَاءِ وَقِتَالِ الصِّدِّيقِ لِمَانِعِي الزَّكَاةِ فَجَعَلَ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ مِنْ بَابِ الْبُغَاةِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ ; فَإِنَّ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا . وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالسُّنَّةِ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَاتَّبَعُوا النَّصَّ الصَّحِيحَ وَالْقِيَاسَ الْمُسْتَقِيمَ الْعَادِلَ ; فَإِنَّ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ مِنْ الْعَدْلِ وَهُوَ : التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَخَالِفَيْنِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِاتِّبَاعِ النَّصِّ الصَّحِيحِ وَالْقِيَاسِ الْعَادِلِ . وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهُ ; وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكِبَارِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ; وَإِنَّمَا هَذَا جَوَابُ فُتْيَا نَبَّهْنَا فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى جُمَلٍ يُعْرَفُ بِهَا بَعْضُ فَضَائِلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ ; فَإِنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا مِنْ الدِّينِ لَا سِيَّمَا إذَا جَهِلَ النَّاسُ مِقْدَارَ عِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ فَبَيَانُ هَذَا يُشْبِهُ بَيَانَ عِلْمِ الصَّحَابَةِ وَدِينِهِمْ إذَا جَهِلَ ذَلِكَ مَنْ جَهِلَهُ فَكَمَا أَنَّ بَيَانَ السُّنَّةِ وَفَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَتَقْدِيمِهِمْ الصِّدِّيقَ وَالْفَارُوقَ مِنْ أَعْظَمِ أُمُورِ الدِّينِ عِنْدَ ظُهُورِ بِدَعِ الرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ فَكَذَلِكَ بَيَانُ السُّنَّةِ ; وَمَذَاهِبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ; وَتَرْجِيحُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ ; أَعْظَمُ أُمُورِ الدِّينِ عِنْدَ ظُهُورِ بِدَعِ الْجُهَّالِ الْمُتَّبِعِينَ لِلظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوَفِّقُنَا وَسَائِرَ إخْوَانِنَا الْمُؤْمِنِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .