تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ . سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ ابْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مَا قَوْلُكُمْ فِي مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي الِاعْتِقَادِ وَمَذْهَبِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ؟ مَا الصَّوَابُ مِنْهُمَا ؟ وَمَا تَنْتَحِلُونَهُ أَنْتُمْ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ ؟ وَفِي أَهْلِ الْحَدِيثِ : هَلْ هُمْ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِمْ ؟ وَهَلْ هُمْ الْمُرَادُونَ بِالْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ ؟ وَهَلْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ عُلُومٌ جَهِلُوهَا وَعَلِمَهَا غَيْرُهُمْ ؟ .
12345678910111213141516171819202122232425262728293031
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا يَنْسُبُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْمَشَايِخِ وَالصُّوفِيَّةِ إلَى الْمَشَايِخِ الصَّادِقِينَ : مِنْ الْكَذِبِ وَالْمُحَالِ أَوْ يَكُونُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي تَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ أَوْ يَكُونُ مِنْ غَلَطَاتِ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَزَلَّاتِهِمْ أَوْ مِنْ ذُنُوبِ بَعْضِهِمْ وَخَطَئِهِمْ مِثْلُ : كَثِيرٍ مِنْ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ بِتَأْوِيلِ سَائِغٍ أَوْ بِوَجْهِ غَيْرِ سَائِغٍ فَيُعْفَى عَنْهُ أَوْ يَتُوبُ مِنْهُ أَوْ يَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ يُغْفَرُ لَهُ بِهَا أَوْ مَصَائِبُ يُكَفَّرُ عَنْهُ بِهَا أَوْ يَكُونُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ مِنْ ذَوِي الزهادات وَالْعِبَادَاتِ وَالْمَقَامَاتِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ بَلْ مِنْ الْجَاهِلِينَ الظَّالِمِينَ الْمُعْتَدِينَ أَوْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ الْكَافِرِينَ . وَهَذَا كَثِيرٌ مَلَأَ الْعَالَمَ تَجِدُ كُلَّ قَوْمٍ يَدَّعُونَ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْأَسْرَارِ وَالْحَقَائِقِ مَا لَا يَدَّعِي الْمُرْسَلُونَ وَأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ خَوَاصِّهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَابَلَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَيَحْتَجُّونَ لِذَلِكَ بِأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ وَتَفْسِيرَاتٍ بَاطِلَةٍ . مِثْلُ قَوْلِهِمْ عَنْ عُمَرَ : " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَدَّثُ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ بِحَدِيثِ وَكُنْت كَالزِّنْجِيِّ بَيْنَهُمَا " فَيَجْعَلُونَ عُمَرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدِيقِهِ كَالزِّنْجِيِّ وَهُوَ حَاضِرٌ يَسْمَعُ الْكَلَامَ . ثُمَّ يَدَّعِي أَحَدُهُمْ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ بِمَا قُذِفَ فِي قَلْبِهِ وَيَدَّعِي كُلٌّ مِنْهُمْ : أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَا يَقُولُهُ مِنْ الزُّورِ وَالْبَاطِلِ وَلَوْ ذَكَرْت مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَصْنَافِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ لَطَالَ . فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ لِلشَّيْخِ قَصَائِدَ يُسَمِّيهَا " جَنِيبَ الْقُرْآنِ " وَيَكُونُ وَجْدُهُ بِهَا وَفَرَحُهُ بِمَضْمُونِهَا أَعْظَمَ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَكُونُ فِيهَا مِنْ الْكَذِبِ وَالضَّلَالِ أُمُورٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ لَهُ قَصَائِدَ فِي الِاتِّحَادِ وَأَنَّهُ خَالِقُ جَمِيعِ الْخَلْقِ وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ وَيَعْبُدُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَصِفُ رَبَّهُ فِي قَصَائِدِهِ بِمَا نُقِلَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ أَصْنَافِ التَّمْثِيلِ وَالتَّكْيِيفِ وَالتَّجْسِيمِ الَّتِي هِيَ كَذِبٌ مُفْتَرًى وَكُفْرٌ صَرِيحٌ : مِثْلُ مُوَاكَلَتِهِ وَمُشَارَبَتِهِ وَمُمَاشَاتِهِ وَمُعَانَقَتِهِ وَنُزُولِهِ إلَى الْأَرْضِ وَقُعُودِهِ فِي بَعْضِ رِيَاضِ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَيَجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْرَارِ الْمَخْزُونَةِ وَالْعُلُومِ الْمَصُونَةِ الَّتِي تَكُونُ لِخَوَاصِّ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ . وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ : أَنَّك تَجِدُ عِنْدَ الرَّافِضَةِ وَالْمُتَشَيِّعَةِ وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ مِنْ دَعْوَى عُلُومِ الْأَسْرَارِ وَالْحَقَائِقِ الَّتِي يَدَّعُونَ أَخْذَهَا عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ إمَّا مِنْ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَإِمَّا مِنْ عِلْمِ الْحَوَادِثِ الْكَائِنَةِ مَا هُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَجَلِّ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ التَّوَاصِي بِكِتْمَانِهَا وَالْإِيمَانِ بِمَا لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ مِنْ ذَلِكَ . وَجَمِيعُهَا كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ وَإِفْكٌ مُفْتَرًى . فَإِنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ " الرَّافِضَةَ " مِنْ أَكْثَرِ الطَّوَائِفِ كَذِبًا وَادِّعَاءً لِلْعِلْمِ الْمَكْتُومِ وَلِهَذَا انْتَسَبَتْ إلَيْهِمْ الْبَاطِنِيَّةُ وَالْقَرَامِطَةُ . وَهَؤُلَاءِ خَرَجَ أَوَّلُهُمْ فِي زَمَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَارُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُ خُصَّ بِأَسْرَارِ مِنْ الْعُلُومِ وَالْوَصِيَّةِ حَتَّى كَانَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ خَوَاصُّ أَصْحَابِهِ فَيُخْبِرُهُمْ بِانْتِفَاءِ ذَلِكَ . وَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ قِيلَ كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَيَنْفِي ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ . وَقَدْ خَرَّجَ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ كَلَامَ عَلِيٍّ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ " أَبِي جحيفة قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ ؟ فَقَالَ : لَا وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ الرَّجُلَ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ . قُلْت : وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ ؟ قَالَ : الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنَّ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرِ " وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنْ الْوَحْيِ غَيْرُ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَعْلَمُهُ إلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التيمي عَنْ أَبِيهِ - وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ إسْنَادٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ - عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : " مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمِ " خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ إلَّا كِتَابَ اللَّهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ - قَالَ : وَصَحِيفَتُهُ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ - فَقَدْ كَذَبَ فِيهَا أَسْنَانُ الْإِبِلِ وَأَشْيَاءُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَفِيهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمَدِينَةُ حَرَامٌ } الْحَدِيثَ .